الطريقة السعدية في بلاد الشام

أهلا وسهلا بك في منتدى الطريقة السعدية

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

الطريقة السعدية في بلاد الشام

أهلا وسهلا بك في منتدى الطريقة السعدية

الطريقة السعدية في بلاد الشام

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الطريقة السعدية في بلاد الشام

موقع يجمع أبناء الطريقة السعدية في بلاد الشام


    معراج التشوف إلى حقائق التصوف - سيدي ابن عجيبة الحسني

    الشريف محمد عطايا السعدي
    الشريف محمد عطايا السعدي
    .
    .


    عدد المساهمات : 154
    تاريخ التسجيل : 19/02/2011
    العمر : 42

    معراج التشوف إلى حقائق التصوف - سيدي ابن عجيبة الحسني  Empty معراج التشوف إلى حقائق التصوف - سيدي ابن عجيبة الحسني

    مُساهمة  الشريف محمد عطايا السعدي الخميس يوليو 14, 2011 9:10 pm

    بسم الله الرحمن الرحيم

    وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما الحمد لله الذي حقق الحقائق وأوضح الطرائق والصلاة والسلام على مولانا محمد سيد الخلائق. المخصوص بتواتر المعجزات وتظاهر الخوارق. ورضي الله تعالى عن أصحابه الأعلام الذين أظهر الله بهم دينه القويم في أقصى المغارب والمشارق. وبعد: فعلم التصوف هو سيد العلوم ورئيسها ولباب الشريعة وأساسها وكيف لا وهو تفسير لمقام الإحسان الذي هو مقام الشهود والعيان.

    كما أن علم الكلام تفسير لمقام الإيمان. وعلم الفقه تفسير لمقام الإسلام. وقد اشتمل حديث جبريل عليه السلام على تفسير الجميع. ف‘ذا تقرر أنه أفضل العلوم تبين أن الاشتغال به أفضل ما يتقرب به إلى الله تعالى لكونه سببا للمعرفة الخاصة الذي هي معرفة العيان. وقد اشتمل على حقائق عريقة وعبارات دقيقة اصطلح القوم على استعمالها فينبغي الوقوف على معانيها لمن أراد الخوض فيه والوقوف على معانيه.

    وقد أردت بحول الله وقوته أن أجمع نبذة صالحة من حقائق هذا الفن واصطلاحاته لعل الله ينفع من يريد الوقوف على هذا العلم. وسميته: معراج التشوف إلى حقائق التصوف وبالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء الطريق وسأذكر لكل حقيقة ما يتعلق بها بداية ووسطا ونهاية.

    التصوف:علم يعرف به كيفية السلوك إلى حضرة ملك الملوك أو غيبة الخلق في شهود الحق أو مع الرجوع إلى الأثر. في أوله علم ووسطه عمل وآخره موهبة.

    واشتقاقه إما من الصفاء لأن مداره على التصفية أو من الصفة. لأنها تصاف بالكملات أو من صفة المسجد النبوي لأنهم مشبهون بأهل الصفة في التوجه والانقطاع أو من الصوف لأن جل لباسهم الصوف تقللا من الدنيا وزهدا فيها. اختاروا ذلك لأنه كان لباس الأنبياء عليهم السلام. وهذا الاشتقاق أنسب إليه لغة وأظهر نسبة. لأن لباس الصوف حكم ظاهر على الظاهر ونسبتهم إليه أمر باطن والحكم بالظاهر أوقف وأقرب. يقال: تصوف إذا لبس الصوف. كما يقال: تقمص إذا لبس القميص. والنسبة إليه صوفي. قال سهيل: الصوفي من صفا من الكدر وامتلأ من الفكر وانقطع إلى الله من البشر واستوى عنده الذهب والمدر، أي لا رغبة له في شيء دون مولاه (وفي مثل هذا قيل: ليس التصوف لبس الصوف ترقعة ** ولا بكاؤك إذ غنا المغنون. بل التصوف أن تصفوا بلا كدر *** وتتبع الحق والقرآن والدين). الجنيد: الصوفي كالأرض يطرح عليها كل قبيح ولا يخرج منها إلا المليح. وقال أيضا: الصوفي كالأرض يطأها البر والفاجر وكالسماء يظل كل شيء وكالمطر يسقي كل شيء.

    التوبة: الرجوع عن كل فعل قبيح إلى كل فعل مليح. أو عن كل وصف دني إلى التحقيق بكل وصف سني. أو عن شهود الخلق إلى الاستغراق في شهود الحق.
    وشروطها: الندم والانقطاع ونفي الإصرار وأما رد المظالم ففرض مستقل تصح بدونه كما تصح من ذنب مع الإصرار على آخر من غير نوعه. فتوبة العامة: م الذنوب وتوبة الخاصة: من العيوب. وتوبة خاصة الخاصة: من كل ما يشغل السر عن حضرة علام الغيوب. وكل المقامات تفتقر إلى التوبة. فالتوبة تفتقر إلى توبة أخرى بعدم نصحها والخوف يفتقر إليها بحصول الأمن والاغترار والرجى بحصول القنوط والإياس والصبر بحصول الجزع والزهد بخواطر الرغبة والورع بتتبع الرخص وخواطر الطمع والتوكل بخواطر التدبير والاختبار والاهتمام بالرزق والرضى والتسليم بالكراهية والتبري عند نزول الأقدار والمراقبة بسوء الأدب في الظاهر وخواطر السوء في الباطن والمحاسبة بتضييع الأوقات في غير ما يقرب إلى الحق والمحبة بميل القلب إلى غير المحبوب والمشاهدة بالتفات السر إلى غير المشهود أو باشتغاله بالوقوف مع شئ من الحس وعدم زيادة الترقي في معاريج الأسرار ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يستغفر في المجلس الواحد سبعين مرة أو مائة.

    والتوبة النصوح يجمعها أربعة أشياء: الاستغفار باللسان والإقلاع بالأبدان وعدم الإسرار بالجنان ومهاجرة لسيئ الخلان. وقال سفيان الثوري: علامة التوبة النصوح أربعة: القلة والعلة والذلة والغربة.
    الإنابة: وهي أخص من التوبة لأنها رجوع يصحبه انكسار ونهوض إلى السير . وهي ثلاث: رجوع من الذنب إلى التوبة ومن الغفلة إلى اليقظة ومن الفرق إلى الجمع على الله.
    الخوف: انزعاج القلب من لحوق مكروه أو فوت مرغوب وثمرته النهوض إلى الطاعة والهروب من المعصية فإظهار الخوف مع التقصير دعوى فخوف العامة: من العقاب وفوت الثواب وخوف الخاصة: من العتاب وفوت الاقتراب. وخوف خاصة الخاصة: من الاحتجاب بعروض سوء الأدب.
    الرجاء: سكون القلب إلى انتظار محبوب بشرط السعي في أسبابه. وإلا فأمنية وغرور. فرجاء العامة: حسن المآب بحصول الثواب. ورجاء الخاصة: حصول الرضوان والاقتراب. ورجاء خاصة الخاصة: التمكن من الشهود وزيادة الترقي في أسرار الملك الودود. والخوف والرجاء للقلب كجناحي الطير. لا يطير إلا بهما. وربما يترجح الرجاء عند العارفين والخوف عند الصالحين.
    الصبر: حبس القلب على حكم الرب. فصبر العامة: حبس القلب على مشاق الطاعات ورفض المخالفات . وصبر الخاصة: حبس النفس على الرياضات والمجاهدات وارتكاب الأهوال في سلوك طريق الأحوال مع مراقبة القلب في دوام الحضور. وطلب رفع الستور. وصبر خاصة الخاصة: حبس الروح أو السر في المشاهدات والمعاينات أو دوام النظر والعكوف في الحضرة.( الصبر كالسبر مر في مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل).

    الشكر: فرح القلب بحضور النعمة. مع صرف الجوارح في طاعة المنعم. والاعتراف بنعمة على وجه الخضوع ومرجعه لثلاث: شكر باللسان وهو اعتراف بالنعمة . بنعمة الإستكانة وشكر بالبدن وهو اتصاف بالخدمة وشكر بالقلب وهو شهود المنعم عند حصول النعمة ومرجعه الكل إلى ما قاله الجنيد: ألا يعصى الله بنعمه. فشكر العامة: الثناء باللسان وشكر الخاصة: الخدمة بالأركان وشكر خاصة الخاصة: الاستغراق في شهود المنان.

    الورع: كف النفس عن ارتكاب ما تكره عاقبته. فورع العامة: ترك الحرام المتشابه وورع الخاصة ترك كل ما يكدر القلب ويجد منه حزازة أو ظلمة ويجمع قوله عليه السلام: دع ما يريبك إلى ما لا يريبك. وورع خاصة الخاصة: رفض التعلق بغير الله وسد باب الطمع في غير الله وعكوف الهم على الله وعدم الركون إلى شيء سواه. وهذا الورع الذي هو ملاك الدين. كما قال الحسن البصري حين سئل. ما ملاك الدين؟ فقال الورع. وقيل له، وما فساد الدين؟ فقال: الطمع فالورع الذي يقابل الطمع كل المقابلة هو: ورع خاصة الخاصة: وجزء منه يعدل آلاف من الصلاة والصيام. ولذا قال في التنوير: وليس يدل على فهم العبد كثرة علمه ولا مداومته على ورده وإنما يدل على نوره وفهمه غناه بربه وانحياشه إليه بقلبه والتحرر من رق الطمع والتحلي بحلية الورع يعني ورع الخاصة أو خاصة الخاصة والله تعالى أعلم.

    الزهد: خلو القلب من التعلق بغير الرب، أو برودة الدنيا من القلب. وعزوف النفس عنها . فزهد العامة : ترك ما فضل عن الحاجة في كل شئ وزهد الخاصة: ترك ما يشغل عن التقرب إلى الله في كل حال. وزهد خاصة الخاصة: ترك النظر إلى ما سوى الله في جميع الأوقات. وحاصل الجميع، برودة القلب عن سوى وعن الرغبة في غير المولى، وهو سبب المحبة كما قال عليه السلام: ازهد في الدنيا يحبك الله... الحديث وهو سبب السر والوصول. إذ لا سير للقلب إذا تعلق بشئ سوى المحبوب.

    التوكل: ثقة القلب بالله حتى لا يعتمد على سواه، أو التعلق بالله والتعويل عليه في كل شئ علما بأنه عالم بكل شئ. وأن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يدك. فأدناه أن تكون مع الله كالموكل مع الوكيل الشفيق الملاطف. ووسطه كالطفل مع أمه .

    لا يرجع في جميع أموره إلا إليها وأعلاه أن تكون كالميت مع الغاسل. فالأول للعامة والثاني للخاصة والثلث لخاصة الخاصة. فالأول يخطر بباله تهمة والثاني لا اتهام له لكن يتعلق بأمه عند الحاجة والثالث لا اتهام ولا تعلق لأنه فان عنم نفسه ينظر كل ساعة ما يفعل الله به.
    الرضى والتسليم: الرضى تلقي المهالك بوجه ضاحك أو سرور يجده القلب عند حلول القضاء أو ترك الاختبار على الله فيما دبر وأمضا أو شرح الصدر ورفع الإنكار لما يرد من الواحد القهار.

    والتسليم: ترك التدبير والاختيار بالسكون تحت مجاري الأقدار. فيرادف الرضى على الحد الأخير والرضى أعم منه على الأولين وقيل: الرضى عند النزول والتسليم قبل النزول وهو التفويض بعينه فبدايتهما الصبر والمجاهدة ووسطهما بالسكون مع خواطر التبرم والكراهية ونهايتهما بفرح وسكون مع عدم التبرم فالأول للعامة والثاني للخاصة والثالث لخاصة الخاصة ويغتفر الخاطر الأول عند الجميع لضعف البشرية إذ لا يخلوا منه بشر.
    المراقبة: إدامة علم البعد بالطلاع الرب، أو القيام بحقوق الله سرا وجهرا خالصا من الأوهام، صادقا في الإحترام وهي أصل كل الخير وبقدرها تكون المشاهدة .

    فمن عظمت مراقبته عظمت بعد ذلك مشاهدته. فمراقبة أهل الظاهر: حفظ الجوارح من الهفوات ومراقبة أهل الباطن: حفظ القلوب من الإسترسال مع الخواطر والغفلات ومراقبة أهل باطن الباطن: حفظ السر من المساكنة إلى غير الله.

    المحاسبة: عتاب النفس على تضييع الأنفاس والأوقات في غير أنواع الطاعات. وتكون آخر النهار. كما أن المشارطة تكون أول النهار. يقوا لنفسه في أول نهاره: هذا يوم جديد، وهو عليك شهيد، فاجتهد في تعمير أوقاته بما يقربك إلى الله. ولو مت بالأمس لفاتك الخير الذي تفوزين فيه. وكذلك يقول لها عند إقبال الليل ويحاسبها عند إدباره، هكذا يدوم معها حتى تتمكن من الحضرة، فحينئذ يتحد الوقت وهو لاستغراق في الشهود فلا يبقى من يحاسب ولا من يعاقب. فتحصل أن المشارطة أولا والمحاسبة آخرا والمراقبة دائما ما دام في السير ، فإذا حصل الوصول فلا محاسبة ولا مشارطة.

    المحبة: ميل دائم، بقلب هائم، ويظهر هذا الميل أولا على الجوارح الطاهرة بالخدمة، وهو مقام الأبرار وثانيا على القلوب الشائقة بالتصفية والتحلية وهو مقام المريدين السالكين وثالثا على الأرواح والأسرار الصافية بالتمكين من شهود المحبوب، وهو مقام العارفين، فبداية المحبة ظهور أثرها بالخدمة ووسطها ظهور أثرها بالسكر والهيام ونهايتها ظهوره بالكون والصحو في مقام العرفان، فلهذا انقسم الناس على ثلاث مراتب: أرباب الخدمة وأرباب الأحوال وأرباب المقامات. فبدايتها سلوك وخدمة ووسطها جذب ووفاء ونهايتها صحو وبقاء.

    المشاهدة والمعاينة: المشاهدة رؤية الذات اللطيفة في مظاهر تجلياتها الكثيفة، فترجع إلى تكثيف اللطيف، فإذا ترقق الوداد ورجعت الأنوار الكثيفة لطيفة، فهي المعاينة، فترجع إلى تلطيف الكثيف. فالمعاينة أرق من المشاهدة وأتم. والحاصل أن شهود الذات لا يمكن إلا بواسطة تكثيف أسرارها اللطيفة في مظاهر التجليات.

    إذ لا يمكن إدراك اللطيف ما دام لطيفا. فرؤية التجليات كثيفة المشاهدة. وردها إلى أصلها بانطباق بحر الأحدية عليها معاينة وقيل هما سواء.

    المعرفة: وهي التمكن من المشاهدة واتصالها. فهي شهو دائم بقلب هائم. فلا يشهد إلا مولاه ولا يعرج على أحد سواه. مع إقامة العدل وحفظ مراسم الشريعة فهذه حدود المقامات قد انتهت في المعرفة. ثم نرجع إلى حقائق أخرى يكثر استعمالها بداية ونهاية منها: التقوى: وهي امتثال الأوامر واجتناب المناكر الظواهر والسرائر. أو مواصلة الطاعات والاعراض عن المخالفات فتقوى العامة: اجتناب الذنوب وتقوى الخاصة: التخلي عن العيوب وتقوى خاصة الخاصة: الغيبة عن السوى بالعكوف في حضرة علام الغيوب.

    الاستقامة: استعمال العلم بأقوال الرسوزل عليه السلام وأفعاله وأحواله وأخلاقه من غير تعمق وتأنق. ولا ميل مع أوهام الوسواس والخروج عن المعهودات ومفارقة الرسوم والعادات أو القيام بين يدي الله تعالى على حقيقة الصدق في جميع الحالات وهي الأقوال بترك الغيبة وفي الأفعال بترك البدعة وفي الأحوال بعدم الخروج عن أحوال للسنن الشريعة. فاستقامة العامة: بموافقة السنة واستقامة الخاصة: بالتخلق بالأخلاق النبوية واستقامة خاصة الخاصة: بالتخلق بأخلاق الرحمان مع الاستغراق في حضرة العيان.

    الإخلاص: إخراج الخلق من معاملة الحق، أو إفراد الحق تعالى في الطاعة بالقصد أو غيبة القلب عن غير الرب. فإخلاص العامة: تصفية الأعمال عن ملاحظة المخلوقين. وإخلاص الخاصة: تصفيتهاعن طلب العوض في الدارين. وإخلاص خاصة الخاصة: التبري من الحول والقوة ومن رؤية الغير في القصد والحركة حجتى يكون العمل بالله ومن الله وإلى الله غائبا عما سواه

    الصدق: إسقاط حظوظ النفس في الوجهة إلى الله تعالى تعويلا على ثلج اليقين أو استواء الظاهر والباطن في الأقوال والأفعال والأحوال وملازمة الكتمان غيرة على أسرار الرحمان. وحاصله: تصفية الباطن من الإنتفاتات إلى غير بالكلية والفرق بينه وبين الإخلاص أن الإخلاص ينفي الشرك الجلي والخفي والصدق ينفي النفاق والمداهنة بالكلية فمثال الصدق مع الإخلاص كالتشحرة للذهب فهو ينفي عنه عواريض النفاق ويصفيه من كدرات الأوهام وكذلك أن صاحب الإخلاص لا يخلوا من مداهنة النفس ومسامحة الهوى بخلاف الصدق فإنه يذهب بالمداهنات ويرفع المسامحات إذ لا يشم رائحة الصدق من داهن نفسه أو غيره فيما دق أو جل. وعلامة الصدق: استواء السر والعلانية. فلا يبالي صاحب الصدق بكشف ما يكره إطلاع الناس عليه ولا يستحيي من ظهوره لغيره اكتفاء بعلم الله به فصدق العامة: تصفية الأعمال من طاب الأعراض وصدق الخاصة: تصفية الأحوال من قصد غير الله وصدق خاصة الخاصة: تصفية مشرب التوحيد من الإلتفاتات إلى ما سوى الله. ويقال لصاحب المقام الأول: صادق وللثاني والثالث: صديق. وأما التصديق بوجود الحق أو بوجود الخصوصية عند الأولياء وتعظيمهم لأجلها فهو تصديق لا صدق. خلاف ما يعتقده بعض فقراء زماننا هذا. ويقال لمن عظم تصديقه: صديق أيضا. فالصديق يطلق على معظم صدقه أو تصديقه.

    الطمأنينة: وهي سكون القلب إلى الله عاريا عن التقلب والإضطراب ثقة بضمانه أو اكتفاء بعلمه أو رسوخا في معرفته وتكون من وراء الحجاب بتواتر الأدلة واستعمال الفكرة أو بتوال الطاعة ومجاهدة الرياضة وتكون بعد زوال الحجاب بتمكن النظرة ورسوخ المعرفة. فقوم اطمأنوا بوجود الله من طريق البرهان أو البيان وقوم اطمأنوا بشهود الله بعد ظهوره من طريق العيان. فالأول : العلماء والثاني للعباد والزهاد والصالحين. والثالث: للعارفين المقربين.

    الشوق والإشتياق: الشوق يزول برؤية الحبيب ولقائه والإشتياق لا يزول أبدا. لطلب الروح الزيادة في كشف الأسرار والقرب إلى الأبد . فشوق العامة: إلى زخاريف جنابه وشوق الخاصة إلى نيل رضوانه وشوق خاصة الخاصة : إلى حضرة عيانه.

    الغيرة: كراهية رؤية حبيبك عند غيرك فيهيج التنافس في حيازته. قال الشبلي: الغيرة غيرتان: فغيرة البشرية على النفوس وغيرة الإلهية على القلوب. ومعناه: أن الطبع البشري يكره أن يرى محبوبه عند غيره كالزوجة مثلا والحق تعالى يكره أن يرى قلوب أوليائه متعلقة بغيره وفي الحديث: لا شخص أغير من الله. ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وما في الوجود إلا غيرة الألوهية سرت في مظاهر تجلياتها. فغيرة النفوس للعامة وهي غيرتهم على هتك حرمة حريمهم وغيرة القلوب للخاصة وهي غيرتهم على قلوبهم أن تميل لغير محبوبهم وغيرة الأرواح والأسرار لخاصة الخاصة وهي غيرتهم على أرواحهم أن تلتفت إلى شيء دون محبوبهم وغيرتهم على الحبيب أن يميل إلى غيرهم وعلى هذا الأمر العظيم حق للعبد أن يغار كما قال الشاعر: إذا لم أنافس في هواك ولم أغر عليك ففيمن ليت شعر أنافس فلا تمقتن نفسي فأنت حبيبها فكل امرئ يصبوا إلى من يجانس وقد يغار الحق تعالى على أوليائه فينتقم من أعدائهم إذا أذوهم ومن غيرته أيضا عليهم أن يظهرهم لجملة الخلق فيضر بهم على خلقه حتى يلقوه تحت أستار الخمول وهم عرائس حضرته. الفتوة: وهي الإيثار على النفس بما تحب، والإحسان إلى الخلق بما يحب، ولذا تكمل الفتوة إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول في موضع لا يذكر فيه أحد إلا نفسه: أمتي أمتي وقيل ل: لا ترى لنفسك فضلا على غيرك. والفتى من لا خصم له ومرجعها إلى السخاء والتواضع والشجاعة في مواطن الاضطراب . ففتوة العامة: بالأموال وفتوة الخاصة : بالنفوس وفتوة خاصة الخاصة: بالأرواح وبذل المهج في جانب المحبوب.

    الإرادة: وهي قصد الوصول إلى المحبوب بنعت المجاهدة. والتحبب إلى الله بما يرضى. والخلوص في نصيحة الأمة والأنس بالخلوة والصبر على مقاسات الأهوال ومنازلات الأحوال. والإيثار لأمره والحياء من نظره وبذل المجهود في محبوبه والتعرض لكل سبب يوصل إليه وصحبة من يدل عليه والقناعة بالخمول وعدم سكون القلب إلى شيء دون الوصول وهي أول منزلة القاصدين وبدء طريق السالكين. والمريد: من الإرادة له دون مولاه وهي ثلاث مراتب : إرادة التبرك والحرمة وهي لمن ضعفت همته وكثرت علاقته وإرادة الوصول إلى الحضرة وهي لأهل التجريد وقوة العزم وإرادة الخلافة وكمال المعرفة وهي لمن ظهرت نجابته وكملت أهليته وصرح له بالخلافة من شيخ كامل لأو هاتف صادق.

    المجاهدة: وهي فطم النفس عن المألوفات وحملها مخالفة هواها في عموم الأوقات وخرق عوائدها في جميع الخالات. قال بعضهم مرجعها إلى ثلاث: لا تأكل إلا عند الفاقة ولا تنم إلا عند الغفلة ولا تتكلم إلا عند الضرورة. ونهايتها المشاهدة فلا مجاهدة بعدها فلا تجتمع مجاهدة ومشاهدة إذ نهاية التعب تمام السفر فإذا حصل الوصول فما بقي إلا الراحة ومشاهدة الحبيب مع حفظ الأدب وهي ثلاث: مجاهدة الظواهر بدوام الطاعات وكف المنهيات ومجاهدة البواطن ينفي الخواطر الرديئة ودوام الحضور في الحضرة القدسية ومجاهدة السرائر باستدامة الشهود وعدم الإلتفات إلى غير المعبود.

    الولاية: وهي حصول الأنس بعد المكابدة واعتناق الروح بعد المجاهدة وحاصلها تحقيق الفناء في الذات بعد ذهاب حس الكائنات فيبقى ما لم يكن ويبقى ما لم يزل فأولها التمكن من الفناء ونهايتها تحقيق البقاء وبقاء البقاء ويبقى الترقي والاتساع فيها أبدا سرمدا. قال إبراهيم بن أدهم لرجل: أتحب أن تكون لله دائما؟ قال الرجل: نعم، قال: لا ترغب في شيء من الدنيا والآخرة وفرغ نفسك لله عز وجل وأقبل بوجهك عليه يرفق عليك ويواليك. وقال غيره: الولي من كان همه الله وشغله الله وفناؤه دائما في الله. وتطلق على ثلاث مراتب ولاية عامة وهي لأهل الإيمان والتقوى كما في الآية وولاية خاصة: وهي لأهل الاستشراق على العلم بالله وولاية خاصة الخاصة: وهي لأهل التمكن في معرفة الله على نعت العيان. وفي الحديث: قيل: من أولياء الله يا رسول الله؟ قال: المتحابون في الله وفي رواية : الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى ظاهرها... الحديث. فشمل الحديث، ولاية الخاصة وخاصة الخاصة والله تعالى أعلم.

    الحرية: وهي الحرية الكسبية، وهي سبب للظفر بالحرية الوهمية. وهي غيبة العبد في مظاهر الرب. فتنتفى ظلمة الحدوث في نور القدم وتختفي قوالب العبودية في تجلي مظاهر الربوبية. فيبقى الحق بلا خلق فحينئذ يكتب للعبد عقد الحرية فتكون عبادته وعبوديته شكرا لا قهرا كما قال سيد العارفين : أفلا أكون عبدا شكورا؟ وقال إمام هذه الطائفة الجنيدي: عبادة العارف تاج على الرؤوس، يعني كمال الكمال. العبودية: ; وهي القيام بأدب الربوبية، مع شهود ضعف البشرية. وقال بعضهم: هي القيام بحق الطاعات، بشرط التوقير والنظر إلى ما منك بعين التقصير، أو ترك الاختيار فيما يبدوا من الأقدار، أو التبري من الحلول والقوة والإقرار بما يوليك ويعطيك من المنة. وعلامتها: ترك التدبير بشهود التقدير، وأجمع العبارات فيها، قول ابن عطاء الله: حفظ الحدود، والوفاء بالعهود، والرضى بالموجود، والصبر على المفقود. قلت: وأحسن ما في تفسير العبودية، أن تقدر أن لك عبدا اشتريته بمالك، فكما تحب أن يكون عبدك معك، فكن أنت مع مولاك، فالعبد لا يملك مع سيده شيئا من نفسه ولا ماله ولا يمكنه مع فهرية سيده تدبير ولا اختيار ولا يتزيا إلا بزي العبيد أهل الخدمة ويكون عند أمر سيده ونهيه وإذا كان حاذقا فاهما عمل ما يرضي سيده قبل أن يأمره ويفهم عن سيده بأدنى إشارة إلى غير ذلك من الأدب المرضية في العبيد المؤدبين. وقال أبو علي الدقاق رضي الله عنه: العبودية أتم من العبادة. فأول المراتب: عبادة ثم عبودية ثم عبودة. فالعبادة للعوام والعبودية للخواص والعبودة لخواص الخواص، قلت: والعبودة هي: الحرية الوهمية والله تعالى أعلم.

    القناعة: الاكتفاء بالقسمة، وعدم التشوف للزيادة |أو الاستغناء بالموجود وترك التشوف إلى المفقود وهي الحياة الطيبة والرزق الحسن، في قوله تعالى: ليرزقهم الله رزقا حسنا. على قول : أي والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتل بعضهم أو مات ليرزقن الله من بقى منهم خرجا يجولان فلقيا القناعة فستقرا فيها ومرجعها إلى سد باب الطمع وفتح باب الورع وهي مطلوبة في أمور الدنيا فقط وأما أمور الآخرة أو في زيادة العلم أو الترقي في المعرفة فمذمومة ولذلك قيل: القناعة من الله حرمان.

    العافية:وهي سكون القلب وخلوه من الإنزعاج والاضطراب والتقلب ثم إن كان بالسكون إلى الله والرضى عنه فهي العافية الكاملة وإن كان بجريان الأسباب للموافقة فهي العافية العادية. وفي الحديث: ما أعطى أحد بعد اليقين خيرا من العافية. فعافية العامة سكونهم إلى الأسباب فإذا انخرمت اضطربت قلوبهم وتزلزلت لخراجها من نور اليقين . وعافية الخاصة: سكونهم إلى مسبب الأسباب. فعافيتهم دائمة وربما يزيد يقينهم إذا انخرمت الأسباب. كما قال بعضهم: نحن كالنجوم كلما اشتدت الظلمة قوي نورنا. وقال ذو النون رضي الله عنه: لو كانت السماء من زجاج والأرض من نحاس ومصر كلها عيالي ما اهتممت لهم برزق. وعافية خاصة الخاصة: سكونهم إلى شهود الحق غائبين عن الأسباب وعدمها في بحر التوحيد وأسرار التفريد. لا تنزل الهموم بساحتهم ولا تكدر صفاء مشربهم جعلنا الله منهم آمين.

    اليقين: وهو سكون القلب إلى الله بعلم لا يتغير ولا يتحول ولا يتقلب ولا يزول عند هيجان المحركات أو ارتفاع الريب في مشاهدة الغيب وعلامته ثلاث: رفع الهمة عن الخلق عند الحاجة وترك المدح في العطية والتنزه عن ذمهم عند المنعة . فيقين العامة: بتوحيد أفعاله، فسكنوا إليه في المنع والعطاء. ويقين الخاصة: بتوحيد صفاته، فرأوا الخلق موتى ليس بيدهم حركة ولا سكون. ويقين خاصة الخاصة: بتوحيد ذاته. فشاهدوه في كل شيء وعرفوه عند كل شيء ولم يشاهدوا معه شيئا. علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين. علم اليقين: ما كان ناشئا عن البرهان. وعين اليقين: ما نشأ عن الكشف والبيان. وحق اليقين: ما نشأ عن الشهود والعيان. فعلم اليقين لأرباب العقول من أهل الإيمان. وعين اليقين: لأرباب الوجدان من أهل الاستشراف على العيان. وحق اليقين: لأهل الرسوخ والتمكين في مقام الإحسان. ومثال ذلك: كمن سمع بمكة مثلا ولم يرها. فعنده علم اليقين بوجودها. فإذا استشرف عليها ورآها ولم يدخلها فعنده عين اليقين فإذا دخلها وعرف طرقها وأماكنها فهذا عنده حق اليقين وكذلك الناس في معرفة الحق تعالى. فأهل الحجاب استدلوا حتى حصل لهم العلم اليقيني بوجود الحق . وأهل السير من المريدين المستشرفين على الفناء في الذات حصل لهم عين اليقين حتى أشرفت عليهم أنوار المعاني وغابت عنهم ظلال الأواني غير أنهم باقون في دهشة الفناء لم يتمكنوا من دوام شهود الحق. فإذا تمكنوا من دوام شهوده ورسخت أقدامهم في معرفته حصل لهم حق اليقين. وهذه نهاية النعمة. وغاية السعادة. جعلنا الله منهم بمنه وكرمه.

    النعمة: هي ملازمة الأفراح ومباعدة الأتراح وإصابة الأغراض ونزاهة الأعراض. وهي على قسمين: نعمة ظاهرة كالصحة والعافية والكفاية من الحلال . ونعمة باطنة كالإيمان والهداية والمعرفة. والناس في النعمة الظاهرة على ثلاثة أقسام: قوم فرحوا بالنعمة لما لهم فيها من المتعة فحجبوا بها عن المنعم وقوم فرحوا بالنعمة لإقبال المنعم عليهم حيث ذكرهم بها. وقوم فرحوا بالنعم دون شيء سواه. (قل الله ثم ذرهم في خوضهم يلعبون) فشكر الأولين يزول بزوالها وشكر الثالث دائم في السراء والضراء وهذا شكر الخواص.

    الفراسة: وهي خاطر يهجم على القلب أو وارد يتجلى فيه لا يحظى غالبا إذا صفا القلب. وفي الحديث: اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله. وهي على حسب قوة القرب والمعرفة. فكما قوى القرب وتمكنت المعرفة صدقت الفراسة لأن الروح إذا قربت من حضرة الحق لا يتجلى فيها غالبا إلا الحق وهي ثلاث مراتب: فراسة العامة، وهي كشف ما في ضمائر الناس وما غاب من أحوالهم وهي فتنة في حق من لم يتخلق بأخلاق الرحمان. وفراسة الخاصة وهي كشف أسرار المقامات والمنازلات والإطلاع على أنوار الملكوت. وفراسة خاصة الخاصة: وهي كشف أسرار الذات وأنوار الصفات والغرق في بحر أسرار الجبروت. وقال الكتاني: هي مكاشفة الحق، ومعانية الغيب. وقال الواسطي: هي سواطع أنوار الذات وتمكين جملة السرائر في الغيوب من غيب إلى غيب حتى يشهد الأشياء من حيث إشهاده الحق إياها فيتكلم على ضمائر الحق. قلت: قوله: فيتكلم ..... إلى آخره ليس بشرط في فراسة الخاصة والله تعالى أعلم.

    الخلق: وهي ملكة تصدر عنه الأفعال بسهولة ثم إن كانت الأفعال حسنه كالحلم والعفو والجود ونحوها سمي خلقا حسنا . وإن كانت سيئة كالغضب والعجلة والبخل سمي خلقا سيئا. قال وهب: ما تخلق عبد بخلق أربعين صباحا إلا جعل الله ذلك طبيعة فيه. فالخلق الحسن يكتسب والسيئ يجاهد حتى يزول. والخلق الحسن يعدل الصيام والقيام وهي ثمرة التصوف . فمن لم يحسن خلقه فتصوفه أشجار بلا ثمار ومرجع حسن الخلق، ألا تغضب ولا تغضب ولا تبخل ولا تحقد وبالله التوفيق.

    الجود والسخاء والإيثار: فالجود من لا يصعب على صاحبه البذل، فمن أعطى البعض وأبقى الأكثر فصاحب سخاء. ومن بذل الأكثر فصاحب جود. ومن قاسى الضراء وآثر غيره فصاحب إيثار. فجود العامة: بالأموال . وجود الخاصة بالنفوس وجود خاصة الخاصة بالأرواح ليبذلونها للموت بالمجاهدة ثم تحيا الحياة الأبدية بالمشاهدة.

    الفقر: وهو نقض اليد من الدنيا وصيانة القلب من إظهار الشكوى ونعت الفقير الصادق ثلاثة أشياء: صيانة فقره وحفظ سره وإقامة دينه. قال جعفر الخلدي: خدمت ستمائة شيخ، فما وجدت من شفى قلبي من أربع مسائل، حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي: سل عن مسائلك؟ فقلت: وما التوحيد؟ فقال: هو ترك التفكر في ذات الله، فكل ما أتى به الوهم أو جلاه الفهم فربما عز وجل مخالف لذلك، فقلت: وما التصوف؟ فقال: ترك الدعاوي وكتمان المعاني. فقلت: وما الفقر؟ فقال: هو سر من أسرار الله يودعه فيمن يشاء من عباده فمن كتمه فهو من أهله وزاده الله منه، ومن باح به نفته الله عنه. قلت: جواب كل إنسان على قدر مقامه، كما قال عليه السلام: خاطبوا الناس بقدر ما يفهمون، فقوله عليه السلام في التوحيد أعلاه: ترك التفكر في ذات الله، أي لأن التفكر في كنه الربوبية منهي عنه إذ لا يدرك ، وأما التفكر في أسرار الربوبية وأنوار صفاتها فلا عبادة أعظم منها. وقال عليه السلام في التوحيد: كل ما أتى به وهم...إلى آخره لا يدرك إلا حس الكائنات فهو قصير والفهم بالذوق لا يدرك أسرار التوحيد، لأنها خارجة عن الوهم ودرك العقل. فظهر معنى قوله عليه السلام: كل ما أتى به الوهم... إلى آخره، وقوله عليه السلام في شأن الفقر : من كتمه فهو من أهله، أي فيكون من السابقين ويزيده تعالى من أسراره وأنواره وهي حلاوة المعاملة والمعرفة. يحكى عن أبي علي الدقاق: أنه جلس يوما مع بعض أصحابه فكانت منه غفلة، حتى شكى ضيق حاله، فلما تفرق أصحابه، نام بعضهم فهتف به هاتف وقال: بالله أبغ أبا عبد الله علي الدقاق ما أقول لك، ثم أنشد : قل للرويجل من ذوي الأقدار الفقر من شيمة الأحرار(البيت الأول ناقص الوزن) إن الذي ألبست من حلل التقى لو شاء ربك كنت عنها عار

    الذكر: وهو إذا أطلق ينصرف لذكر اللسان، وهو ركن قوي في طريق الوصول وهو منشور الولاية. فمن ألهم الذكر فقد أعطي المنشور. ومن سلب الذكر فقد عزل. فذكر العامة: باللسان. وذكر الخاصة: بالجنان. وذكر خاصة الخاصة: بالروح والسر؟، وهو الشهود والعيان. فيذكر الله عند كل شيئ وعلى كل شيئ يعرف الله فيه. وهنا يخص اللسان ويبقى كالمبهوت في محل العيان وبعد ذكر اللسان في هذا المقام يكون ذلك ضعفا وبطالة ....

    الوقت: قد يطلقونه على ما يكون العبد عليه في الحال من قبض وبسط أو حزن أو سرور. وقال أبو علي الدقاق: الوقت ما أنت به في الحال. فإن كنت بالدنيا فوقتك الدنيا و‘ن كنت بالعقبى فوقتك العقبى. يريد أن الوقت ما كان الغالب على الإنسان. وقد يعنون به الزمان الذي بين الماضي والمستقبل. يقولون: إن الصوفي وقته. يريدون: أنه مشغل بما هو أولى به في الوقت. لا يدبر في مستقبل ولا ماضي بل يهمه ما هو فيه. وكل وقت له آداب يطلب فيه . فمن أخل بأدبه، مقته، ولذلك قيل: الوقت كالسيف، فمن لآ ينه سلم ومن خاشنه قسم. وملاينته القيام بأدبه بوقت القهرية.

    آدابه: الرضى والتسليم تحت مجاري الأقدار. ووقت النعمة، آدابه: الشكر، ووقت الطاعات، آدابه: شهود المنة من الله ، ووقت المعصية: التوبة والإنابة. الحال والمقام: الحال معنى يرد على القلب من غير تعمل ولا اجتناب،ولا تسبب ولا اكتساب. من بسط أو قبض أو شوق أو انزعاج أو هيبة أو اهتياج. ويظهر أثره على الجوارح قبل التمكين من شطح ورقص وسير وهيام. وهو أثر المحبة، لأنها تحرك الساكن أولا ثم تسكن وتطمئن. ولذا قيل فيها: أولها جنون ووسطها فنون وآخرها سكون. وقد يكتسب الحال بنوع تعمل كحضور حلق الذكر واستعمال السماع وقد يطلب اكتسابه بخرق عوائد النفس حين يعتريها برودة وفتور، وفرق وكسل. فينبغي أن يتحرك في تسخينها بما يثقل عليها من خرق العوائد وقد يطلق الحال على المقام فيقال: فلان ضار عنده الشهود مثلا حالا، ومنه قول المجذوب: حققت ما وجدت غير وأمسيت في الحال هان
    وأما المقام: فهو ما يتحقق العبد بمنازلته واجتهاده من الأدب وما يتمكن فيه من مقامات اليقين، بتكسب وتطلب . فمقام كل أحد موضع إقامته، فالمقامات تكون أولا أحوالا حيث لم يتمكن المريد منها لأنها تتحوصل ثم تصير مقامات بعد التمكين. كالتوبة مثلا تحصل ثم تنقص حتى تصير مقاما وهي التوبة النصوح وهكذا بقية المقامات. وشرطه: ألا يترقى مقاما حتى يستوفي أحكامه فمن لا توبة له، لا تصح له إنابة ومن لا إنابة له لا تصح له استقامته. ومن لا ورع له لا يصح له زهد. وهكذا. وقد يتحقق المقام الأول بالثاني، إذا ترقى عنه قبل أحكامه، إن كان له شيخ كامل وقد يطوي عنه المقامات ويدسه إلى الفناء. إن رآه أهلا بتوقد قريحته ورقة فطنته. فالأحوال مواهب والمقامات مكاسب. هذا معنى المقام بفتح الميم. وأما بالضم فمعناه الإقامة ولا يكمل لأحد منازلة مقام، إلا بشهود إقامة الحق تعالى فيه. وفي الحكم: من علامات النجح في النهاية الرجوع إلى الله في البداية وقال أيضا: من كانت بالله بدايته كانت إليه نهايته.

    القبض والبسط: وهما حالتان بعد الترقي من حال الخوف والرجاء. فالقبض للعارف بمنزلة الخوف المطالب. والبسط للعارف بمنزلة الرجاء للمريد. والفرق بين الخوف والقبض وبين الرجاء أن الخوف متعلقه مستقبل، إما فوات محبوب أو هموم محذور. بخلاف القبض، فإنه معنى يحصل في القلب ‘ما بسبب أو لا. وكذلك الرجاء، يكون لانتظار محبوب في المستقبل. والبسط شيء موهوب يحصل في الوقت. فحقيقة القبض: انكماش وضيق يحصل في القلب يوجب السكون والهدوء. والبسط: انطلاق وانشراح للقلب يوجب التحرك والانبساط . ولكل واحد آداب مذكور في المطولات.

    الخواطر والواردات: الخواطر: خطابات ترد على القلب، تكون بإلقاء ملك، أو شيطان أو حديث نفس. فإذا كان من الملك، فإلهام أو من الشيطان فوسواس أومن النفس فهواجس. فما وافق الحق ودعا إلى اتباعه فمن الملك وما وافق الباطل أو دعا إلى معصية غالبا فمن الشيطان. وقد يدعوا إلى الطاعة حيث يترتب عنها معصية كالربا وحب المدح وما دعا إلى إتباع الشهرة والدعة أي الراحة فمن النفس. قال أبو علي الدقاق: من أكل الحرام لم يفرق بين الإلهام والوسواس وكذلك من كان قوته معلوما. وفرق الجنيد بين هواجس النفس ووسواس الشيطان بأن ما دعت إليه النفس لا تنتقل عنه بل تعاوده مرة بعد مرة، إلا بعد مجاهدة كبيرة ووسواس الشيطان ينتقل عنها، فإذا خالفته في معصية انتقل لأخرى وربما يذهب بالتعود ونحوه ولذلك كانت النفس أخبث من سبعين شيطانا. وأما الواردات: فهي ما يرد على القلوب من التجليات القوية والخواطر المحمودة بما لا يكون للعبد فيه تكسب والفرق بين الخواطر والواردات أن الواردات أعم من الخواطر لأن الخواطر تختص بنوع خطاب أو ما يتضمن معناه. والواردات: تكون وارد سرور ووارد حزن ووارد قبض ووارد بسط ووارد شوق ووارد خوف إلى غير ذلك من المعاني وقد يختطفه عن شاهد حسه وهو قريب من الحال وقد يأتي الوارد بكشف غيب فيجب تصديقه إن صفا القلب من كدرات الخواطر والله تعالى أعلم.

    النفس والروح والسر:النفس عند القوم: عبارة عما يذم من أفعال العبد وأخلاقه، فالأول ما كان من كسب العبد كمعاصيه ومخالفته والثاني ما كان من جبلته وطبيعته، كالكبر والحسد والغضب وسوء الخلق وقلة الاحتمال وغير ذلك من الأخلاق الذميمة، ينسب للنفس أدبا مع الحق. والروح: عبارة عن محل التجليات الإلهية وكشف الأنوار الملكوتية. والسر: عبارة عن محل التجليات الإلهية وكشف الأنوار الملكوتية للخواص والسر لخواص الخواص، والنفس لأهل عالم الملك والروح لأهل عالم الملكوت والسر لأهل عالم الجبروت. وسيأتي حقائقها. وهل النفس والروح والسر متعددات في نفسها أو متحدة؟ وإنما تختلف التسمية باختلاف التصفية. قال بعضهم: النفس لطيفة مودعة في هذا القالب، هي محل الأخلاق المذمومة، كما أن الروح لطيفة مودعة في هذا القالب، هي محل الأخلاق المحمودة، ومحلها واحد، وهو الإنسان، فالنفس والروح من الأجساد اللطيفة ، كالملائكة والشياطين. وهما ساكنان في الإنسان فكما أن البصر محل الرؤية والأذن محل السمع والأنف محل الشم من ذات واحدة فكذلك محل الأوصاف الذميمة النفس ومحل الأوصاف الحميدة الروح وأما السر فهو لطيف مودع في القلب كالروح إلا أنه أشرف من الروح لكمال صفائه. وقال الساحلي: النفس والقلب والروح والسر والباطن أسماء لمسمى واحد، وهو اللطيفة الربانية التي كان الإنسان بها إنسانا وتختلف أسماؤها باختلاف أوصافها، فإن مالت لجهة النقص سميت نفسا وإن تخلصت من مقام الإسلام إلى مقام الإيمان سميت قلبا وإن تخلصت منه إلى مقام الإحسان ولكن بقي فيها أثر النقص كأثر الجراحات بعد البرء سميت روحا، وإن ذهبت تلك الأثر وصفيت سميت بالسر وإن أشكل الأمر سميت بالباطن والاختلاف في الروح شهير. قال بعضهم: هي الحياة. وقال بعضهم: أعيان مودعة في هذه القوالب. أجرى الله العادة بخلق الحياة في القالب ما دامت فيه. فاإنسان حي بالحياة، ولكن الأرواح مودعة في القوالب، ولها ترق في حال النوم ومفارقة ورجوع هي التي وقع بها النفخ. وأما النفس هي مخلوقة في الجنين قبل نفخ الروح. بها يقع التحرك وهي ملازمة للبدن لا تفارقه إلا بالموت. فتخرج الروح أولا ثم تنقطع النفس فتنقطع الحياة للإنسان. فالإنسان روح ونفس وجسد.

    والحشر للجملة وكذلك العقاب والثواب. والأرواح مخلوقة قبل الأبدان سارية فيها سريان النار في الفحم والماء في العود الأرطب. قلت: هذه الأعيان المودعة في القوالب هي اللطيفة الربانية اللاهوتية وهي التي تتطور وتختلف أسماؤها باختلاف تطورها كما قال الربانية اللاهوتية. وهي التي تتطور وتختلف أسماؤها باختلاف تطورها كما قال الساحلي والله أعلم.

    وكون الأرواح حادثة يجري على مذهب أهل الفرق وأما أهل الجمع فلا حادث عندهم لفناء الكائنات عن نظرهم. قال الجنيد: إذا اقترن الحادث بالقديم، تلاشى الحادث وبقي القديم وسألت بعض إخواننا العارفين: هل الأرواح حادثة أو قديمة؟ فقال الرجال: الأشباح عندهم قديمة يشير إلى مقام الفناء كما تقدم لكنه سر مكتوم.

    النصر والتأييد والعصمة: النصر تقوية الجوارح على فعل الخير والتأييد تقوية البصيرة من داخل في الباعث الباطني تأييد. والبطش ومساعدة الأسباب من خارج نصر. وهو جامع الهداية التي مرجعها للبصيرة العلمية الكاشفة. لما عليه الشيئ بحقيقته والرشد الذي مرجعه إلى الإرادة الباعثة إلى جهة السعادة والتسديد الذي مرجعه إلى القوة على توجيه الحركات إلى صوب المطلوب وتيسيرها عليه ويقرب من التأكيد الجامع لما ذكر.

    العصمة:وهي عبارة عن جود إلهي. يسنح في الباطن يقوى به الإنسان على تحري الخير وتجنب الشر حتى يصير كصانع في باطنه غير محسوس. قاله الغزالي. فهذه ست حقائق: الهداية والرشد والعصمة والتسديد والنصر والتأييد وقد علمت كلها من كلام الغزالي رضي الله عنه. والتحقيق أن الهداية هي تصويب العبد إلى طريق توصله إلى الحق وقد تطلق على بيانها فقط. والرشد: هو توجيه القلب إلى طريق السعادة والتسديد: هو القدرة على سلوك طريق الخير وتجنب الشر. والعصمة: هو جود إلهي إلى آخر ما تقدم.

    الحكمة: وهي اتفاق الشيء وإبداعه ففي العلم تحقيقه والعمل به. وفي الأقوال: إيجازه وتكثير معانيه . وفي العمل إتقانه وإكماله. ويقال: نزلت الحكمة على ثلاث فرق: على ألسنة العرب، وأيدي الصين، وعقول اليونان والله تعالى أعلم.

    العقل: وهو نور يميز به بين النافع والضار. ويحجز صاحبه عن ارتكاب الأوزار. أو نور روحاني تدرك به النفس العلوم الضرورية والنظرية أو قوة مهيأة لقبول العلم. سمي عقلا. لأنه يعقل صاحبه عما لا ينبغي وهو على قسمين: عقل أكبر وعقل أصغر. أما العقل الأكبر فهو أول نور أظهره الله للوجود. ويقال له: الروح الأعظم ويسمى أيضا القبضة المحمدية ومن نوره يمتد العقل الأصغر كامتداد القمر من نور الشمس. فلا يزال نوره ينموا بالطاعة والرياضة والتطهير من الهوى حتى يدخل العبد مقام الإحسان وتشرق عليه شمس العرفان فينطوي نوره في نور العقل الأكبر كانطواء نور القمر عند طلوع الشمس. فيرى من الأسرار والغيوب ما لم يكن يره قبل. لأن العقل الأصغر نوره ضعيف. لا يدرك إلا افتقار الصنعة إلى صانعها، ولا يدري ما وراء ذلك. بخلاف العقل الأكبر فإنه يدرك الصانع القديم قبل التجلي وبعده لصفاء نوره وشدة شعاعه. وفي بعض الأخبار: أول ما خلق الله العقل، فقال له: أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر ثم قال : فوعزتي وجلالي لا أجعلك إلا فيمن أحببت من عبادي. أو كما قال عليه السلام، والحديث متكلم فيه. فالعقل الأكبر لا يناله إلا المحبون الذين اختارهم الله لمعرفته الخاصة. وأما العقل الأصغر فيعطيه للخاص والعام. وهو على قسمين: عقل موهوب وعقل مكسوب. فالموهوب هو الذي جعله الله فيه غريزة والمكسوب هو الذي يكتسب بالتجارب والرياضات وارتكاب المحن. قال بعضهم: وعلامة الغقل ثلاث: تقوى الله عز وجل وصدق الحديث وترك ما لا يعني وقال عليه السلام: ألا وإن من علامة العقل التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود والتزود لسكنى القبور والتأهب ليوم النشور. وقال بعض الحكماء: خير ما أعطى الإنسان، عقل يزجره فإن لم يكن فحياء يمنعه. فإن لم يكن فمال يستره.

    فإن لم يكن فصاعقة تحرقه تستريح منه البلاد والعباد. وهل الأرواح قبل الأشباح كان لها عقل أم لا؟ والتحقيق أنها كانت لها عقول مقتبسة من العقل الأكبر فلذلك أقرت بالربوبية بل كانت علامة دراكة للإشياء كما قال ابن البناء: والمعرفة والإدراك إنما يكونان بالعقل. فلما برزت لعالم الأشباح أزال الله منها ذلك العقل الذي هو من العقل الأكبر وأنبت فيها العقل الأصغر عند اجتناب الولد في البطن. فما زال ينموا إلى الحلم وقيل إلى الأربعين سنة فإذا اتصل العبد بالطبيب عالجه حتى يوصله إلى العقل الأكبر فيكون صاحبه من الأولياء الكبار وبالله التوفيق.

    التوحيد: وهو على قسمين: توحيد البرهان وهو إفراد الحق بالأفعال والصفات والذات من طريق البرهان. وتوحيد العيانتن وهو إفراد الحق بالوجود في الأزل والأبد. قال الجنيد رضي الله عنه: هو معنى تضمحل فيه الرسوم وتندرج فيه العلوم

      الوقت/التاريخ الآن هو السبت أبريل 27, 2024 6:43 pm